تنين وصقر وبدايات الكون

4 دقائق
صورة المركبة الفضائية هايابوسا 2 وهي تقترب من الكويكب ريوغو (الصورة مستنسخة بإذن من وكالة استكشاف الفضاء اليابانية)

هناك أكثر من مليون كويكب يدور حول الشمس وتتميز بأشكالها وأحجامها المختلفة، وعلى الرغم من أن الكويكبات أصغر من الكواكب فإنها تبقى مذهلة تمامًا مثلها. كويكب فيستا هو الأكبر بينها حيث يبلغ قطره نحو 530 كيلومترًا، بينما البعض الآخر لا يتجاوز بضعة أمتار. وهناك كويكب ذو حجم متوسط يُسمى "ريوغو"،

يبلغ قطره نحو 900 متر ويدور حول الشمس في موقع بين كوكب الأرض والمريخ، وقد حظي ريوغو باهتمام خاص لأنه يُصنَّف بوصفه "كربونيًا" (يُطلق عليه أحيانًا "النوع C"). وهذا يعني أنه يتكون من الكربون ومركبات عضوية أخرى ويحتوي على كميات كبيرة من المياه، الأمر الذي يجعله من أقدم الأجرام السماوية. تشير الأبحاث السابقة إلى أن الكويكبات من النوع C هي بقايا من النظام الشمسي الأول وقد تحمل دلائل حول نشأته وأصل الحياة التي تسكنه. لذا، فإن عمر ريوغو الكبير هو ما يمنحه الأهمية، وهو السبب الذي دفع وكالة استكشاف الفضاء اليابانية (JAXA) إلى إرسال مركبة استكشاف الكويكبات هايابوسا 2 لجمع عينات من مواد مثل الرمل والصخور والغازات من سطحه في عام 2014.

زيارة "قصر التنين"

تم إطلاق اسم ريوغو على الكويكب في عام 2015 من قِبل مركز الكواكب الصغيرة (الهيئة الرسمية لرصد الكواكب الصغيرة، بما في ذلك الكويكبات، وتسجيلها)، ولهذا الاسم قصة ممتعة. في إحدى القصص الشعبية اليابانية، ريوغو-جو (أو "قصر التنين") هو مكان سحري تحت المياه، يزوره صياد يُدعى أوراشيما تارو ويسافر إليه على ظهر سلحفاة ويعود بصندوق غامض. وفي الوقت الذي تمت فيه تسمية ريوغو بشكل رسمي، كانت المركبة الفضائية هايابوسا 2 (التي تُترجم إلى "صقر الشاهين 2" باليابانية) قد قضت بالفعل عامًا في الفضاء، والتقت مع الكويكب في النهاية في عام 2018. واستطاعت المركبة هايابوسا 2 مسح ريوغو على مدى عام ونصف، حيث أطلقت خلال هذه الفترة على سطحه مركبتين جوالتين ومركبة إنزال للمراقبة بغرض جمع البيانات، فضلاً عن إطلاق مركبة الاصطدام الفضائي لإنشاء فوهة اصطناعية على الكويكب يمكن استخراج العينات منها.

وتهبط المركبة الفضائية فوق قمة فوهة. تشبه صندوقًا ذهبيًا فضيًا، مع قرصين على السطح العلوي، وستة ألواح مستطيلة على الجانبين تشكل "أجنحة" متصلة عبر قنوات رفيعة. تستقر المركبة على سطح الكويكب الرمادي ريوغو.

صورة المركبة الفضائية هايابوسا 2 وهي تهبط على الكويكب (الصورة مستنسخة بإذن من وكالة استكشاف الفضاء اليابانية)

لإرسال العينات إلى وكالة استكشاف الفضاء اليابانية، أسقطت هايابوسا 2 كبسولة من ارتفاع نحو 200 كيلومتر فوق سطح الأرض، وهبطت على الأرض في ووميرا بالمناطق الريفية النائية في أستراليا، في 6 ديسمبر 2020. وإضافة إلى تسليم العينات المادية، كانت هذه اللحظة التاريخية هي المرة الأولى التي يتم فيها استقبال عينات غاز من الفضاء الخارجي، وهي كذلك ثاني أكبر عينة تم جمعها من كويكب على الإطلاق.

مرت محتويات الكبسولة بعد ذلك بعملية تحليل مكثف على مدار أربعة أشهر، وتم الاضطلاع بجزء من هذه العملية باستخدام جهاز مطياف الكتلة رباعي القطب (QMS). تم تصنيع الجهاز بواسطة شركة Canon ANELVA Corporation التي تضم الخبراء في مجال تقنيات التفريغ المتقدمة، وتم تركيبه على جهاز الاختبار. يستخدم كثير من الوكالات الحكومية والمرافق البحثية جهاز مطياف الكتلة رباعي القطب، وهو أداة يمكن أن تساعد في تحديد الغازات منخفضة الكتلة الموجودة في عينات الغاز الخاضعة للاختبار وفحصها.

بعد ذلك بفترة وجيزة، أصدرت وكالة استكشاف الفضاء اليابانية بيانًا صحفيًا يفيد بأنه "تم تأكيد وجود عينة رمال سوداء حبيبية يُعتقد أنها مشتقة من الكويكب ريوغو داخل حاوية العينة". وسرعان ما بدأت فرق من سبع جامعات ووكالة استكشاف الفضاء اليابانية والوكالة اليابانية لعلوم وتكنولوجيا البحار والأرض في العمل على كشف أسرارها. وبحلول شهر فبراير 2023، تمكنوا من الإعلان عن اكتشافهم الأول المثير للاهتمام. من هذا العينة النقية، تمكن الباحثون من تحديد اليوراسيل، وهو جزيء يساعد في نقل المعلومات الجينية داخل الخلايا، فضلاً عن حمض النيكوتينيك المعروف أيضًا بفيتامين B3. ربما تكون هذه الجزيئات قد تكونت على ريوغو أو غيره من الكويكبات، وهذا يدعم الفكرة التي تشير إلى أنها نُقلت إلى كوكب الأرض الأول بطريقة ما، بدلاً من أن تكون قد نشأت عليه.

من هذه العينة النقية، تمكن الباحثون من تحديد اليوراسيل، وهو جزيء يساعد في نقل المعلومات الجينية داخل الخلايا، فضلاً عن حمض النيكوتينيك المعروف أيضًا بفيتامين "B3".

وقال الأستاذ المساعد ياسوهيرو أوبا من جامعة هوكايدو، وهو المؤلف الرئيسي للدراسة: "وجد العلماء سابقًا قواعد نووية وفيتامينات في بعض النيازك الغنية بالكربون، لكن كان هناك دائمًا تساؤل حول احتمال التلوث نتيجة التعرض لبيئة الأرض". "لكن بما أن مركبة الفضاء هايابوسا 2 جمعت عينتين مباشرة من الكويكب ريوغو وأرسلتهما إلى الأرض في كبسولات محكمة الإغلاق، يمكن استبعاد احتمالية التلوث".

في الآونة الأخيرة، سمحت العينة نفسها من الكويكب ريوغو للعلماء بدراسة تأثيرات النيازك الصغيرة التي تصطدم بسطح الكويكب ومعرفة كيفية تأثره بالتجوية الفضائية (التغيرات التي تطرأ على أسطح الأجرام السماوية التي لا تمتلك غلافًا جويًا). يمكن أن يساعدنا هذا في فهم الكيفية التي تغيرت بها الكواكب والأجسام الأخرى في الفضاء بمرور الوقت، إضافة إلى استكشاف أسباب حدوث هذه الأضرار، ما يفتح المجال لاكتشاف معلومات جديدة عن كواكب أخرى. وتمكن الباحثون مرة أخرى، بسبب خلو العينات من التلوث، من إجراء هذا التحليل بثقة واكتساب رؤى جديدة حول النظام الشمسي الأول.

مع كل اكشاف جديد يزداد وضوح الصورة الكبرى المعنية ببدايات الكون، وتزداد الأدلة التي تشير إلى أن اللبنات الأساسية للحياة كما نعرفها نشأت في الفضاء، ونُقلت إلى الأرض قبل مليارات السنين عبر النيازك.

تعرف على المزيد حول مشروع هايابوسا 2 التابع لوكالة استكشاف الفضاء اليابانية، وكيفية إسهام شركة Canon ANELVA في تطوير المجتمع من خلال تقنية التفريغ الفائقة الجودة الخاصة بها.

ذات صلة